سورة البقرة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} بأن لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يُخرج بعضكم بعضاً من داره ولا يغلبه عليها، {ثم أقررتم} أَيْ: قبلتم ذلك {وأنتم} اليوم {تشهدون} على إقرار أوائلكم، ثمَّ أخبر أنَّهم نقضوا هذا الميثاق فقال: {ثم أنتم هؤلاء} أراد: يا هؤلاء {تقتلون أنفسكم} يقتل بعضكم بعضاً. {وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم} تتعاونون على أهل ملَّتكم {بالإثم والعدوان}: بالمعصية والظُّلم {وإن يأتوكم أسارى} مأسورين يطلبون الفداء فديتموهم {وهو محرَّم عليكم إخراجهم} أَيْ: وإخراجهم عن ديارهم محَّرمٌ عليكم {أفتؤمنون ببعض الكتاب} يعني: فداء الأسير {وتكفرون ببعض} يعني: القتل والإخراج والمظاهرة على وجه الإباحة؟ قال السُّدِّيُّ: أخذ الله تعالى عليهم أربعة عهودٍ: تركَ القتل، وترك الإِخراج، وترك المظاهرة، وفداء أُسرائهم فأعرضوا عن كلِّ ما أُمروا به إلاَّ الفداء. {فما جزاء مَنْ يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ} فضيحةٌ وهوانٌ {في الحياة الدنيا}، وقوله: {فلا يخفف عنهم العذاب} معناه: في الدُّنيا والآخرة، وقيل: هذه الحالة مختصَّةٌ بالآخرة.


{ولقد آتينا موسى الكتاب وقفَّينا من بعده الرسل} أَيْ: وأرسلنا رسولاً بعد رسول {وآتينا عيسى ابن مريم البينات} يعني: ما أُوتي من المعجزة {وأيدناه} وقوَّيناه {بِرُوحِ القدس} بجبريل عليه السَّلام، وذلك أنَّه كان قرينه يسير معه حيث سار، يقول: فعلنا بكم كلَّ هذا فما استقمتم؛ لأنَّكم {كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} ثمَّ تعظَّمتم عن الإِيمان به {ففريقاً كذَّبتم} مثل عيسى ومحمَّدٍ عليهما السَّلام {وفريقاً تقتلون} مثل يحيى وزكريا عليهما السَّلام.
{وقالوا قلوبنا غلفٌ} هو أنَّ اليهود قالوا استهزاءً وإنكاراً لما أتى به محمد عليه السَّلام: قلوبنا غلفٌ عليها غشاوةٌ، فهي لا تعي ولا تفقه ما تقول، وكلُّ شيءٍ في غلافٍ فهو أغلف، وجمعه: غُلْف، ثمَّ أكذبهم الله تعالى فقال: {بل لعنهم الله} أَيْ: أبعدهم من رحمته فطردهم {فقليلاً ما يؤمنون} أَيْ: فبقليلٍ يؤمنون بما في أيديهم. وقال قتادة: {فقليلاً ما يؤمنون}، أَيْ: ما يؤمن منهم إلاَّ قليلٌ، كعبد الله بن سلام.
{ولما جاءهم كتاب} يعني: القرآن {مصدِّق} موافقٌ {لما معهم} {وكانوا} يعني: اليهود {من قبل} نزول الكتاب {يستفتحون} يستنصرون {على الذين كفروا} بمحمد عليه السَّلام وكتابه، ويقولون: اللَّهم انصرنا بالنَّبيِّ المبعوث في آخر الزَّمان {فلما جاءهم ما عرفوا} يعني: الكتاب وبعثة النبيّ {كفروا} ثمَّ ذمَّ صنيعهم فقال: {بئس ما اشتروا به أنفسهم} أَيْ: بئس ما باعوا به حظَّ أنفسهم من الثَّواب بالكفر بالقرآن {بغياً} أَيْ: حسداً {أن ينزل الله} أَيْ: إنزال الله {من فضله على من يشاء من عباده} وذلك أنَّ كفر اليهود لم يكن من شكٍّ والا اشتباهٍ، وإنَّما كان حسداً حيث صارت النُّبوَّة في ولد إسماعيل عليه السَّلام {فباؤوا} فانصرفوا واحتملوا {بغضب} من الله عليهم لأجل تضييعهم التَّوراة {على غضب} لكفرهم بالنَّبي محمَّد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
{وإذا قيل} لليهود {آمنوا بما أنزل الله} بالقرآن {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} يعني: التَّوراة {ويكفرون بما وراءه} بما سواه {وهو الحقُّ} يعني: القرآن {مصدِّقاً لما معهم} موافقاً للتَّوراة، ثمَّ كذَّبَهم الله تعالى في قولهم: نؤمن بما أنزل علينا بقوله: {فلمَ تقتلون أنبياء الله} أَيْ: أيُّ كتابٍ جُوِّز فيه قتلُ نبيٍّ؟! {إن كنتم مؤمنين} شرطٌ، وجوابه ما قبله، ثمَّ ذكر أنَّهم كفروا بالله تعالى مع وضوح الآيات في زمن موسى عليه السَّلام فقال: {ولقد جاءكم موسى بالبينات} يعني: العصا واليد وفلق البحر {ثمَّ اتخذتم العجل من بعده} إلهاً {وأنتم ظالمون}.


{وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوَّة واسمعوا} مضى تفسيره، ومعنى: واسمعوا، أَيْ: اقبلوا ما فيه من حلاله وحرامه وأطيعوا {قالوا سمعنا} ما فيه {وعصينا} ما أُمرنا به {وأُشربوا في قلوبهم العجل} وسُقوا حبَّ العجل وخُلطوا بحبِّ العجل حتى اختلط بهم، والمعنى: حُبَّب إليهم العجل {بكفرهم} باعتقادهم التَّشبيه، لأنَّهم طلبوا ما يُتَصَوَّرُ في أنفسهم {قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} هذا تكذيبٌ لهم في قولهم: نؤمن بما أنزل علينا، وذلك أنَّ آباءَهم ادَّعوا الإِيمان، ثمَّ عبدوا العجل، فقيل لهم: بئس الإيمان إيمانٌ يأمركم بالكفر، والمعنى: لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل، يعني: آباءهم، كذلك أنتم لو كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم ما كذَّبتم محمَّداً.
{قل إنْ كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إنْ كنتم صادقين} كانت اليهود تقول: لن يدخل الجنَّة إلاَّ مَنْ كان هوداً، فقيل لهم: إن كنتم صادقين فتمنَّوا الموت، فإنَّ مَنْ كان لا يشكُّ في أنَّه صائر إلى الجنَّةِ، فالجنَّةُ آثرُ عنده.
{ولن يتمنوه أبداً} لأنَّهم عرفوا أنَّهم كفرةٌ، ولا نصيب لهم في الجنَّة، وهو قوله تعالى: {بما قدَّمت أيديهم} أيْ: بما عملوا من كتمان أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وتغيير نعته {واللَّهُ عليم بالظالمين} فيه معنى التَّهديد.
{ولتجدنهم} يا محمَّدُ، يعني: علماءَ اليهود {أحرص الناس على حياةٍ} لأنَّهم علموا أنَّهم صائرون إلى النَّار إذا ماتوا؛ لما أتوا به في أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم {ومن الذين أشركوا} أَيْ: وأحرص من منكري البعث، ومَنْ أنكر البعث أحبَّ طول العمر؛ لأنَّه لا يرجو بعثاً، فاليهود أحرص منهم؛ لأنَّهم علموا ما جنوا فهم يخافون النَّار {يودُّ أحدهم} أَيْ: أحد اليهود {لو يعمَّرُ ألف سنة} لأنَّه يعلم أنَّ آخرته قد فَسَدَتْ عليه {وما هو} أَيْ: وما أحدهم {بمزحزحه} بِمُبْعِدِهِ من {العذاب أن يعمَّر} تعميره.
{قل مَنْ كان عدواً لجبريل} سألت اليهود نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم عن مَنْ يأتيه من الملائكة؟ فقال: جبريل، فقالوا: هو عدوُّنا، ولو أتاك ميكائيل آمنَّا بك، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: قل مَنْ كان عدوَّاً لجبريل فليمت غيظاً {فإنه نزله} أَيْ: نزَّل القرآن {على قلبك بإذن الله} بأمر الله {مصدقاً} موافقاً لما قبله من الكتب {وهدىًَ وبشرى للمؤمنين} ردٌّ على اليهود حين قالوا: إنَّ جبريل ينزل بالحرب والشِّدَّة، فقيل: إنَّه- وإنْ كان ينزل بالحرب والشدَّة على الكافرين- فإنه ينزل بالهدى والبشرى للمؤمنين.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11